الخميس، 23 أبريل 2015

جدلية الغيبة والقيامة في رواية خضرا والمجذوب لعبد لمالك المومني

عبد الله لحسايني - 


ماهي خضرا والمجدوب، رواية؟ سيرة ذاتية أم تأريخ؟ أم هي كلها؟
فمن يدعي سيريتها معذور، لأنه يدلي بدفاعه المتمثل في حكاية الراوي عن ماض ينسبه إليه. لكن عليه إثبات تحقق الوقائع كلها وعدم هيمنة المتخيل أو حتى وجوده ممزوجا بالحقيقة.
 خضرا والمجذوب هي شبيهة السيرة، وما لم يجنسها صاحبها صراحة كذلك فكل ما فيها يؤول إلى الخيال.
وهي ليست بكتاب تأريخ مع وجود معطيات تأريخية مفيدة وشهادات ثراتية كذلك، بسبب نفس السبب.

هي تاريخ أسطوري ، والأساطير ليست خيالا خالصا ، تأريخ  لمنطقة منسية راقدة تسمى قرية الركادة. ربما جاء الاسم " رقادة" لطول رقاد عينها التي تغور لشهور ثم ماتلبث أن تفور. وحين يتدفق ماؤها من جديد . يتدفق و يهيج معها شوق وحنين المحبين الذين "جذبوا" من هيامها.
 كيف لا يصيبهم الحال الصوفي والجذب والحضرة ؛ ومن عينهم الغريبة تنبع آلاف الأساطير التي تحاول يائسة الإجابة على سؤال واحد :
أين تغور وكيف تفور عين لالة خضرا الرقادة.
مجذوبنا العاشق المتيم هو الروائي د عبد المالك المومني. له أعمال أدبية منوعة لكنها كلها تقريبا عن عين لالة خضرة الرقادة. ما عدا عمل نقدي عن أعمال أبي فراس الحمداني.
وهي كالتالي :

§ "الجناح الهيمان بنبع رﯖادة الوسنان". رواية. منشورات عكاظ:1996م.
§ " رِيحَةْ لَبْلادْ خَضْرا". ديوان زجل.رَبَانِيت،الرباط، يونيو 2011م
§ "التجربة الإنسانية في روميات أبي فراس". دراسة نقدية.دار الكتب العلمية.بيروت.فبراير2010م.

روائينا ؛ كل ما يكتب "خضرا"  ، وكلما يكتب : "خضرا". وحين استكثر عذاله تكرار ذكره لحبيبته . حتى كأن الأرض لم تلد غيرها، جاء رده في الرواية قائلا - في تحد من يعرف ما لا يعرفون- :
 أجل خضرا ثانية وثالثة ورابعة.

 وهل يمل الصوفي من تكرار اسم المحبوب ؟؟ أبداً أبد ..

الدكتور ع المالك المومني من مواليد قرية الرقادة .. فهي هي أمه التي لا يلام في حبها .. لكنه يعشق خضرة أيضا وهي العين وخضرة يرجع أيضا إلى اسم امرأة أرملة فقيرة تكافح من أجل لقمة العيش وهي أمه بالرضاعة في السيرة - الأسطورة . وخضرا هي الأميرة الأسطورية التي تزوجت فتى القرية الذي ردع قوات الرومان.
 تتشابك التسميات لكنها تتحد كما تتوحد أقانيم المسيحية في اختلافها.
مكتوبات الدكتور المبدع الجديدة اليوم مميزة. فهي من أوائل من استضافت السرد التعليقي في التدوينات الإفتراضية لتضع له مكانا ضمن سردية شبه سيرية  روائية. فضلا عن تميزها بالتنوع في الأساليب (حكي وحوار وتقرير) مشكّلة باقة سردية لا يأتيها الملل من بين يديها ولا من خلفها.
ومجذوبنا وروائينا الملقب في الرواية ببلارج لدقة ساقيه ولتشبته بأشجار وأحجار قريته كما يفعل اللقلاق ( الذي يسمى بلارج بالمغربية الدارجة). يشبه أيضا كوال القرية المذكور في الرواية؛ ليس فقط في أشعاره . وبديع نظمه وحكاياه وأساطيره بل بشيء آخر يلفت الإهتمام إنه الفوران والغور. أجل فكل ما في الركادة يغور ويفور . غيبة وقيامة دائمين. الكوال الذي يجمع التلاميذ ليحكي لهم قصة الأميرة لالة خضرا يغيب أياما ويغور حتى يظنه بلارجنا لن يعود. الراوي أيضا يغيب عن الحكي اللذيذ في سرده لمشاريع تهيئة العين وتأريخه لمن مر من المعمرين المدمرين للمآثر - قصبة المولى اسماعيل التي دمرها المعمر مورلو على سبيل المثال - حتى تظن أن السرد غار وأننا في كتاب آخرحتى يفاجئنا بلارج العين الناعسة برجوع روح الحكي الشيق من رماد التقارير.
 طائر العنقاء تتناسخ روحه في مكونات القرية الراقدة في أرواح عديدة. روح ماء العين، روح المجذوب الكوال.. روح السرد الروائي.. روح الراوي عبد المالك المومني الذي يغور في عمق مركز المغرب  .. ثم مايلبث أن يختطف نفسه ليعود في عطلته ويحيي الصلة بالقرية الناعسة. لكل نهاية بدايات في خضرا و في رواية خضرا والمجدوب.. ولكل موت مؤقت حياة . هي حياة لامحال تصاب بالموات، لكنه موت التحدي تماما كالحياة.. أو هو أشد..

 قراءة لذيذة نتمناها لكم في رواية خضرا والمجدوب للروائي الأبركاني الدكتور عبد المالك المومني

المواضيع