الجمعة، 24 أبريل 2015

مواعد ثقافية - التعلم النشط ومنهجياته بالتعليم الأولي للمدرب ذ. عبد الغاني بوشيخي


تجربة الحكي الواقعي في قصص "صرخة امرأة" لجواهر ماسين


عبد الله لحسايني - 

فن القصص من أقدم الإبداعات البشرية. بل يمكن اعتباره فنا فطريا غريزيا يمارسه كل البشر ويتقنونه بنسب متفاوتة. وفي التاريخ العربي، في فترات منه استخدم فن القص - كما الشعر - كوسيلة خطابة توجه الرأي العام إما لمحاباة السلطة أو لمعارضتها أو لغرض آخر . ولا نمر قبل أن نذكر في هذا الصدد ابن المقفع والجاحظ وقافلة قبلهما ممن طوروا فنيا هذا الجنس الإبداعي منذ العصر الشفهي. مسيرة التطور لا تزال تتواصل والتجريب في مختبر الإبداع السردي لاينفك يتواصل ويهم الشكل - قصة قصيرة ؛ قصيرة جدا ؛ شذرة - أو يصيب المضمون والصور الشعرية والرمزيات. ولئن استقرت سفينة التجديد الأدبي اليوم على موضة التحرر من الأسلوب المباشر في كل الأجناس الإبداعية والهروب إلى عوالم الرمز والقفز على زمكان النص وغيره .. إلا أن بعض الكتابات السردية التقليدية الناجحة تنبه قافلة التجريب الإبداعي إلى أن أسلوب الحكي المباشر وسرد الأحداث والوقائع الحقيقية أو المتخيلة هو أسلوب خالد فطري مرجعي لا تبليه الموضة ولا يغار من التحليق في عوالم ميتانصية أو موغلة في الرمزية. ومن بين هذه الكتابات التي تؤكد على ما ذهبنا إليه إصدار القاصة المبدعة المعروفة باسم جواهر ماسين في مجموعتها القصصية الأولى " صرخة امرأة". ماسين هذه هي كاتبة أمازيغية من ضواحي مدينة الناظور ؛ لصيقة بهويتها وضليعة بتفاصيل مجتمعها . فاتخذت اسمها الإبداعي انطلاقا من تسمية واد ماسين (إغزر أوماسين) الذي تحتفظ له ويحتفظ لها بذكرياتها الصغيرة لكنه يحتفظ لنا معها بحمولة أمازيغورومانية تتلخص في إسمه(ماسينيسا). إلمام جواهر بواقعها ومجتمعها التقليدي وتفاصيله العميقة بحسناتها وآثامها يتجلى في الصرخة التي تنقلها لأسماع قرائها. عدسة قلمها لا تخطئ أو تفلت نقل وبث ظلامات المرأة الهشة والضعيفة التي تتقاذفها عادات ظالمة للمجتمع. رسولة المظلوم هي. بأسلوب سردي شيق لا يتزين بالكثير من محسنات بديعية. جمال طبيعي متأصل حروف جمالها طبيعي متأصل يستمد إشعاعه من صدق المظلوميات التي تبلد عنها المجتمع الشارد عن الإحساس بها. بل عن رؤيتها من داخل عيونها. ترافقنا جواهر أو نرافقها عبر مجموعتها القصصية لترينا كيف تشعر أم وقعت صغيرتها ضحية لنزوات متسكعين في القرية. الطفلة التي تعبر الطريق الخالية في البادية لتلتحق بالمدرسة تفاجئ بانقضاض متسكعان من شباب القرية .. يهتكان براءتها دون شفقة. فتدخل الصغيرة في نوبة كآبة. تحاول التغلب على اﻷمر ومواصلة حياتها بما تبقى من شرف لكن تتكرر الجريمة. وتقف الأم حائرة في المنتصف. القصة تنبه المجتمع الغافل أنه هو أيضا يغتصب براءة أطفاله عن طريق التهويل بالفضيحة. ففي حالتنا تقف الأم في منتصف الطريق ؟ كل الطرق تؤدي إلى الفضيحة . إذا أفشت واشتكت وإذا صمتت وصبرت. صرخة الأم لن تنفجر حتى يصل خبر الفتاة إلى أخيها الذي يعاجلها بسكينة كانت سببا لراحتها الأبدية. وبينما يتربع الوحشان على عرش الفحولة تقتاد الصبية في وحل الرذيلة حتى بعد وفاتها. إذ تصور لنا ماسين مشهد الأخ الذي يبدو مزهوا بفعلته وكأنه غسل عنه عار أخته ووقف يستقبل تهاني المجتمع . حين يسأله القاضي فيقر " بجريمة الشرف" آنذاك تنفجر الأم على المجتمع الظالم لتخبر القاضي بحقيقة الجريمة. فلم يبق لها ماتخشى منه أو تهشى عليه. ليتحول أخوها المزهو إلى كومة ندم محطمة. وماذا يجدي الندم. قصص أخرى لاتقل تأثيرا تضمها مجموعة "صرخة امرأة" أبرزها حكاية التلميذ الذي تحولت هدية نجاح تفوقه الدراسي إلى محرض على الفشل. تراقب ماسين بدقة متناهية تدحرج الشاب في مدارج التسكع حتى يصل إلى مالم تتوقعه العائلة . الفتى النجيب أضحى يعاقر المخدرات ويسرق ويغتصب نتيجة رفقة السوء. وكأنها تقول أن النظرة النمطية عن الشر البعيد هي إلى الوهم أقرب . وبأن تحول السلوك وتغير الزمان هو بالسهولة بمكان. القصص في بداياتها أبعد من أسلوب الخطابة والوعظ ولو أن مضامينها توحي بذلك إلا أن سلاسة الحكي وشحنات التأثر الذي يغرس بذوره في القارئ بفضل صدق الحديث وهول المأساة تبعد عنه عنوان الوعظ الخشبي . لكن يلاحظ على قصص المجموعة تراخ في القفلة أو نهاية القصة التي تحاول جواهر - وكأنها ملزمة - بإعطاء القارئ تقريرا ختاميا عن مآل البطل . رغم أنها غير مجبرة على ذلك. بل أحيانا أحاول عدم قراءة سطور خاتمة القصة حتى لاتضيع لذة الحكي من لساني. غير ذلك جميل أرجو أن لا يفوت جماله القراء.

المواضيع