السبت، 29 نوفمبر 2014

آخر الإعلانات الثقافية


قصة قصيرة جدا- بقايا إنسان

قراءة في مجموعة بقايا إنسان للقاصة إحسان الرشيدي

بقلم الدكتور جميل حمداوي


تعد إحسان الرشيدي من القاصات اللواتي خضن غمار هذا الفن بأضمومتها الأولى التي تحمل عنوان بقايا إنسان وتحمل هذه المجموعة رؤية وجودية قوامها الثورة و التمرد و السأم الوجودي،و التنديد بوحشية الإنسان، و تأكيد عبثية الواقع الكائن الذي تحجر قيميا و عاطفيا و إنسانيا.بمعنى أن الإنسان فقد بقايا كينونته الوجودية، و آدميته البشرية ،و إنسانيته المميزة
و عليه، ترصد الكاتبة ، في مجموعتها القصصية القصيرة جدا ،مجموعة من التيمات و القضايا التي لا تخرج عن الذات و الموضوع على حد سواء و من ثم ،فهي تثور على نفسها شعوريا و لا شعوريا إلى درجة القلق و الملل و الكراهية و السأم الوجودي، كما يظهر ذلك جليا في قصتها (ثمرة الشر) و (مدينة الملاهي) مثلا.
و من جهة أخرى ،ترصد المبدعة عوالم الأنثى الواقعية و الخيالية و المحتلمة، مبينة مشاكلها الذاتية و الواقعية في إطار ما يسمى بالكتابة النسائية، مدافعة عن الأنثى ،عن شموخها ، و حبها و كبريائها، و صمودها و إبائها، و أنوثها ،وجمالها مع التنديد بالرجل في زيفه، و خداعه، و نفاقه ، و عبثه، و ضياعه الوجودي و مرواغته الللاأخلاقية ، مسفهة بشره و طمعه و غرائزه الشبقية ، كما يبدوا ذلك في مجموعة من قصيصاتها مثل (رب صدفة) ، (ووافته المنية)،(الستيني المتصابي)،و(ثفقحت)،و(فضيحة العصر)،و(صفعة خذلان)،و(عرة الرجال)،و(بقايا إنسان)،و(جزاء)، و (مهزلة)، و(إحباط)،و(بدون ذكر أسماء)،و(إنفصام)،و(غذر الأيام)،و(شريط الماضي)،و(حالة إدمان)،و(إعدام ضمير)،(حقيقة)،و(ويبقى الأمل)...
كما تشير قصص الكاتبة إلى الصراع الإجتماعي و التفاوت الطبقي، حيث تثور قصيصاتها المأساوية  الحزينة على الفقر،و البؤس،والبطالة، و تفكك الأسرة،و الهجرة الطائشة،كما يبدوا ذلك جليا في قصة (ثمن السخرية)،(أمواج القدر)،و(دمعة يتيم)،و(الركض خلف الأوهام)،(مأساة إيمان)،و(صراع مع الذاكرة)...
علاوة على ذلك،فقد تناولت الكاتبة مواضيع عاطفية و رومانسية تراجيدية ،تنتهي بالفراق و الصراع و البين و الهجران و تمزق الذات، كما يبين ذلك واضحا في قصة(عاشق مجروح)، و(لقاء بعد...)،(عانس)،و(وفاء)،و(إغتيال العزة)،و(مأساة)،(الحب لا يكفي)،و(أمازيغية أنا)،و(وعكة غباء)،و(روعة الحب)،و(حصاد)،و(حريق)،و(كل إناء ينضح بما...)،(اللعنة)،و (أبت أن تكون له حطبا)،و(مثوى العسل)،و(بنت الليل)...
و في الحقيقة، تندرج هذه القصيصات ضمن الكتابة النسائية،ما دامت تصور جدلية الذكورة و الأنوثة،حيث تفرغ الكاتبة جام غضبها على الرجل الميكيافلي، مدافعة على الأنثى الجميلة و الحسناء مصورة بشاعة الإنسان ووحشيته الحيوانية مستخدمة في ذلك التقريع،و اللوم، و السخرية ؛ و الهجاء ،و التعبير الكاريكتوري، و الكروتيسك...
أما فيما يخص الكتابة،تتميز إحسان الرشيدي باحترام مقومات القصة القصيرة جدا تحبيكا و تخطيبا و تقصيدا،حيث تراعي الحجم القصير جدا،و تستعمل قصصا فعلية التركيب، و تبتعد عن الوصف التفصيلي فتلتجئ إلى التركيز و الإقتضاب و الإختصار و الإيجاز و التكثيف.و من ثم، تتأرجح لغة الكتابة بين الفصحى و الدارجة و الأمازيغية تهجينا و أسلبة و تنويعا ،كما تتنوع علاماتها الترقيمية تخييلا و تعبيرا و ترميزا، و تكثر من نقط الحذف، و تنوع مقدماتها و خواتمها،مع تقطيع الكلمات المبأرة بصريا و أيقونيا و جماليا.
و خلاصة القول، يتبين لنا،مما سبق ذكره، بأن إحسان الرشيدي ما تزال في بدايتها الفنية بهذه الباكورة القصصية القصيرة جدا، حيث لم تتخط بعد مشاكلها الذاتية لسبر أعماق الواقع بشكل عميق، و ٱكثر نضجا و موضوعيا، مع النبش الميتاسردي في ذاكرة القصة القصيرة جدا

جميل حمداوي - ناقد


الدكتور جميل حمداوي ناقد وأديب

من مواليد مدينة الناظور،أستاذ التعليم العالي يدرّس علوم التربية بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بالناظور. وهو رئيس الرابطة العربية للقصة القصيرة جدا.وعضو اتحاد كتاب العرب واتحاد كتاب المغرب .حاصل على دبلوم الدراسات العليا وعلى دكتوراه الدولة سنة 2001.
حصل على جائزة مؤسسة المثقف العربي (سيدني –أستراليا)لسنة 2011 في النقد والدراسات الأدبية.
حاصل على جائزة ناجي النعمان الأدبية لسنة 2014. أديب ومبدع وناقد وباحث، يشتغل ضمن رؤية أكاديمية موسوعية..نشر أكثر من مائة كتاب .
من أهم كتبه :
-        الشذرات بين النظرية والتطبيق
-        القصة القصيرة جدا بين التنظير والتطبيق
-        الرواية التاريخية ، تصورات تربوية جديدة
-        جماليات القصة القصيرة جدا عند المبدعة الكويتية هيفاء السنعوسي. 

إحسان الرشيدي - قاصة


القاصة - إحسان الرشيدي 

 كاتبة وقاصة مغربية تتحدر من إقليم أكنول و هي منطقة أمازيغية ريفية وتقطن مدينة الناظور .حاصلة على شهادة البكالوريا وتدرس الآن بالدراسات الجامعية تخصص لغة عربية.
لها إصدار قصصي في جنس القصص القصير جدا بعنوان "بقايا إنسان" ، وتحضر لعمل روائي وآخر شعري

دراسة " ياث يزناسن الثرات، التاريخ والأصول



كتاب ياث يزناسن الثرات، التاريخ والأصول لمؤلفه الباحث عبد الله لحسايني يقع في 96 صفحة وينقسم إلى ثلاتة فصول كما في العنوان .فيتحدث المؤلف عن تاريخ القبائل اليزناسنية شمال شرق المملكة المغربية ويحاول ربط أصلهم بساكنة سلسلة جبال بني يزناسن العريقة، وبالضبط يتسائل الباحث عن إمكانية وجود روابط نسب بين بني يزناسن الحاليين أو جزء منهم وبين إنسان تافوغالت الذي يعود إلى الحقبة الإيبوروزومية.

دراسات مماثلة

يعتبر التأليف في تاريخ وانساب قبائل بني يزناسن من الدراسات النادرة. فيمكن عد المؤرخين أو الباحثين في هذا المجال على رؤوس الأصابع ، منهم الباحث عكاشة برحاب وقدور الورطاسي والمؤرخ جرمان عياش وغيرهم. لذا ينبري الباحث عبد الله لحسايني ليتسلم المشعل من جديد وينبش في الذاكرة اليزناسنية من جديد.

فصول الكتاب

ينقسم الكتاب إلى ثلاث فصول:

الفصل الأول:محطات من التاريخ اليزناسني

وتنقسم إلى التاريخ القديم الذي يصل إلى الحقبة الإيبوروزومية إلى التاريخ الأوسط والحديث ليصل إلى العلاقة التي ربطت بني يزناسن بالدولة العلوية الحالية ويكشف كيف أن هذه القبائل ساهمت وآوت أوائل المؤسسين للدولة العلوية ثم ليعرج على مرحلة ما قبل الإستعمار الفرنسي للتراب المغربي ودور بني يزناسن في إيقاف الأطماع الفرنسية لما يناهز نصف عقد من الزمن عبر ما سماها ب"المقاومة الإستباقية "وهو مصطلح يستعمل اليوم في الحروب الأمريكية على الإرهاب حيث شن بنو يزناسن هجماتهم على التراب الجزائري المحتل فرنسيا لتحرير الجزائر و لخلق معادلة الردع مع الجيش الفرنسي.

الفصل الثاني:إلى أنساب القبائل اليزناسنية

لقد أسهب في التفصيل في أنساب القبائل اليزناسنية الأربع وحاول التحقيق في بعض ما تم تدوينه سابقا من طرف كل من النقيب فوانو قدور الورطاسي وأضاف بعض العطيات الجديدة التي استقاها من جولاته الميدانية . من الجدير بالذكر التنويه إلى إقتراحه إدماج كبدانة لبني يزناسن باعتبار التاريخ المشترك والتقارب الجغرافي والتشابه اللغوي والاختلاف اللغوي بين كبدانة وقلعية. أما حديثه عن عرب سهل تريفة فقد كان من باب الحديث عن القادمين الجدد.

الفصل الثالث:ثراث ياث يزناسن

لم يكرر الباحث عبد الله لحسايني في معرض حديثه عن الثرات اليزناسني ما يتداول من فن وفلكلور – كالركادة والعلاوي – ولم يركز على الآثار السياحية المعروفة والمتداولة ، بل حاول إماطة اللثام عن آثار لم يهتم بها أغلب الدارسين وعلى رأسها الثراث الديني للولي سيدي أحمد أبركان الراشدي . فقد أورد بعضا من مخطوطاته التي تعتبر تحقيقا في علم الرجال لأمهات الكتب الدينية ، البخاري ومسلم والموطأ وطالب في توصياته بالعمل على تحقيقها وطبعها. كما تطرق إلى ضريح المولى امحمد بن الشريف العلوي وأورد مقولات عدة وحدها خلاصة في كون الضريح هو ما يطلق عليه الساكنة اليوم سيدي بوزيد بضواحي أكليم –بركان . وتحدث عن ضريح المجاهد البحري الشهير عروج المتواجد بجبل بني موسي ببني يزناسن. وغيرها من الآثار التي لم تكن متداولة فيما سبق

رواية ”بطاليوس عاد إلى مقدونيا

جمالية العتبات في رواية” بطاليوس عاد إلى مقدونيا
للروائي المغربي عبدالله لحسايني 
 
 
 
الـــعتـبــات
1)عتبة المؤلف
عبدالله لحسايني من مواليد مدينة بركان 1980 يعد من الكتاب المغاربة الشباب الذين يشقون طريقهم بثبات في ساحة الإبداع. ولعل ما يؤكد ذلك، هو إنتاجه في الشعر و النثر. فكانت بدايته مع إصدار ثلاثة دواوين شعرية : الأول ديوان : في خاطري ترقدين (2010) الثاني هو ديوان:جروح السنين (2011)الثالث ديوان ترانيم الجبل(2012) وفي البحوث والدراسات له دراسة تاريخية، وتحقيق في موضوع تاريخ، وتراث قبائل بني يزناسن المتواجدين شرق المملكة المغربية على الحدود الجزائرية المغربية، والذين كان لهم الفضل في صد الاستعمار الفرنسي لما يناهز نصف قرن عبر مشاركتهم في المقاومة "الاستباقية” وشن هجمات على التراب الجزائري ضد المحتل فرنسي. والمؤلف تحت عنوان:ياث يزناسن ، الثرات التاريخ والأصول، صادر عن مطــبعة جسور المغربية عام (2013). ومنه ينتقل إلى جنس القصة فكانت أضمومته: "وعاد أبو جهل” أول عمل قصصي له. وخامس عمل في مسيرته الأدبية. صدرت عام 2013 عن مطبعة جسور بوجدة وله مجموعة في القصة القصيرة جدا وسمها بــ: سيرة ابن نيشان.صدرت سنة 2014 عن مكتبة الطالب. صدر له حديثا عن دار "الطالب” أيضا بوجدة رواية "بطاليوس عاد إلى مقدونيا” الذي يعد من منشورات مرصد الإبداع الأدبي والعلمي والتقني الذي يعد مشروعا لجمعية فكرة جديدة للأدب والتنمية المجتمعية التي أسسها ورأسها الكاتب ضمن فاعلين جمعويين.
نزوعه نحو مأسسة الإبداع عن طريق المجال الجمعوي له سوابق في حياة عبد الله لحسايني العملية. فهو مجاز في التنمية الاجتماعية ومؤطر بالجامعات الشعبية التي تنظمها وزارة الشبيبة، كما شارك في ندوات تتعلق بحوار الأديان وحاضر بمعهد الحكامة والاقتصاد بالرباط في موضوع التسامح .
عتبة التجنيس.
لا يجد القارئ صعوبة في تصنيف نص "بطاليوس عاد إلى مقدونيا ” فخانته الجناسية واضحة رغم تداخل المحكيات والخطابات وتعدد الأساليب السردية والحوارات والمستنسخات التناصية. هو ليس بنص قصصي طويل ولا نص مسرحي متعدد المشاهد ولا سيرة ذاتية. إنما رواية قصيرة. وهذا التداخل في حقيقته يضفي لا محالة إثارة وتشويقا لدى المتلقي سواء كان قارئا عاديا أو دارسا متخصصا.
وقد حدد الدكتور أبو المعاطي الرمادي خصائص الرواية القصيرة في أطروحته التي نال بها درجة الدكتوراة في عام 2003م، وهي:
1)حجم متوسط لا يمكن النظر إليه على أنه حجم لقصة قصيرة، ولا يمكن النظر إليه على أنه حجم لرواية طويلة، وهو حجم غير محكوم بعدد محدد من الكلمات. وهناك من النقاد من حصرها حجمها ما بين 10.000 كلمة و20.000 كلمة. في حين بلغ عدد كلمات رواية "بطاليوس عاد إلى مقدونيا” عشرة الاف وثمان كلمات.
2)استهلال ذو طبيعة خاصة :فتميل الروايات القصيرة للاستهلالات المركزة المكثفة؛ بسبب اعتمادها على شخصية محورية واحدة، وحدث محوري واحد، ولا يتعدى استهلالها الفقرة الأولى ، وأحيانا السطر الأول ، ويتميز بشيوع الحس الكوميدي، أو التراجيدي، والتأريخ للبطل والمكان وكل ما ذكره الدكتور أبو المعاطي ينطبق إلى حد كبير مع رواية بطاليوس عاد إلى مقدونيا ومن أحسن الأمثلة على الرواية القصيرة (موت في البندقية) (عام 1912) للكاتب الألماني توماس مان و(الشيخ والبحر) ( عام 1952) للكاتب الأميركي أرنست همنغواي..
3 – عتبة العنوان:
يثير عنوان الرواية مشاكسة واشتباكا بصريا ودلاليا بينه وبين المتلقي على اعتبار أن العنوان دائماً هو تاج عتبات الكتابة، إنّه من دون أدنى شكّ العتبة الأظهر والأقوى والأكثر استفزازاً لمحرّكات القراءة، و كلمة بطاليوس لفظة خصبة وثرية، تختزن شبكة دلالات متشظية، من الناحية التركيبية تتشكل من شقين:
ــ الشق الأول: (بطا) وهي الأحرف الأولى لكلمة بطالة، وهي الموضوعة الرئيسة في الرواية. وتعد البطالة تعد آفة إجتماعية ومشكلة إقتصادية آثرت سلبا على البطل. علما بأنه قادر على العمل وله القدرات والمؤهلات الكافية لأدائه، وسلك طرق كثيرة للبحث عنه، دون أن تمنح له فرصة لإيجاد العمل لأسبابٍ كثيرة، منها قلة فرص العمل في المجتمع الذي يعيش فيه . يقول في ص66 (أما الروح فتشفى من كل عللها حين أجد شغلا) وفي ص13 (لتحديد النسل قامت الدولة بتشجيع البطالة، فالبطالي لا يستطيع إلى الزواج سبيلا…) وفي ص 22 (بطاليوس اسمع… أعرف أنك عاطل اليوم… ) وفي ص 29 (أنا أقوم بشؤوني المادية بصعوبة، فكيف أضيف عبئا ومصاريف جديدة) .
ــ الشق الثاني من الكلمة هو (ليوس) مأخوذة من كلمة بطليموس الموريطاني أو الأمازيغي، أو بِطُوليمي، هو ملك أمازيغي حكم موريطنية (التي جمعت مورطنية القيصرية (غرب الجزائر) (وموريطنية الطنجية) شمال المغرب ).ولد الملك الأمازيغي بطليموس سنة 1 قبل الميلاد وحكم موريطنية من سنة 23 ميلادية إلى 40 م وكانت عاصمته تسمى قيصرية شرشال حاليا وهي مدينة جزائرية، ووالده هو الملك الأمازيغي يوبا الثاني وأمه هي الأميرة المقدونية كليوباترا سيليني وهو بذلك يجمع بين أصول أمازيغية و مقدونية. وهذا ما أشارت إليه الرواية في المقطع المعنون بــ(المخرج) ص7 "ـ من انت؟ ـ بطاليوس.. ـ بطاليوس الملك أم الحكيم كلاوديوس؟ ـ بطاليوس الملك الحكيم… أتيت من مقدونيا رفقة يوبا أبي الذي تزوج هناك من أجل الإقامة والجنسية اليونانية.” فما هي نقاط التشابه و الاختلاف بين بطل الرواية بطاليوس أو سعيد والملك بيطاليموس:
1 كلاهما من أصول أمازيغية تخاطبه الأم ص65(أكر سني قاتر صدد)أي انهض لقد تلوتث.)
2 كلاهما يهوى أوربا ويفضل العيش فيها، أو يمكن القول لديهما هوى أوربي وإحساس بالانتماء للحضارة الأوربية.
إما الاختلاف:
1 فالأول بطال ابن رجل متقاعد. لا شغل له ولا عمل يعاني الأمرين من هذا الوحش المخيف الذي دمر جميع أحلامه وأمنياته، ورد في ص 65 قول الأم(قم تبحث لك عن شغل أقرانك يعيلون أسرهم، وأنت لا تزال تعلف من تقاعد أبيك). وفي ص 20 (إن البطالي شخص غير مرغوب فيه)
أما الثاني هو ملك ابن ملك عامل يُسير دواليب دولة يحسب لها ألف حساب.
2 سعيد أعزب يرفض الزواج من ابنة عمه مريم، و لم يوفق في الزواج من زهرة التي هاجرت إلى موريال، بينما الملك تزوج من الأميرة الأمازيغية جوليا أورانا وأنجب معها الأميرة دروسيلا.
3 سعيد حي يرزق لكنه مسجون بين قضبان الوطن الذي حرمه من معانقة الحرية في أوربا، اما الملك بطليموس عاد إلى أوربا وبالضبط إلى روماـ وفيها تم اغتياله غدرا من طرف ابن خالته الإمبراطور الروماني كاليغولا بدافع الغيرة بعدما استدعاه إلى زيارة روما سنة 40 م.
فيبقى العنوان في نظري هو الأمل والحلم الذي يراود سعيد لمعانقة الحرية والعيش الكريم وتأسيس الاسرة و إنجاب الاولاد وتحقيق جميع الاحلام.
ورغم فهذا العنوان، باعتباره عتبة للنص لا يمهد لقراءة بسيطة يسيرة، كما أنه لا يعكس براءة على مستوى الكتابة بل يخلق توترا بين محفل الإنتاج ومحفل التلقي مما يؤدي إلى تناسل قراءات أخرى”.
4 ـ عتبة الأيقون:
الكاتب عبد الله لحسايني هو الذي وضع تصميم الغلاف، وسلّمه إلى مكتبة الطالب، كاملاً، والتي التزمت به التزاماً كاملاً، وبذلك تكون العتبة هنا منتمية انتماء حاسماً إليه، وتصلح ـ عندئذٍ ـ للقراءة صلاحية تامة، مثلها مثل العتبات الأخرى، بكل حرية وشفافية وثقة ورحابة.
اللوحة التي وضعت في وسط الغلاف ليست محايدة أو عفوية أو مهملة أو ثانوية، بل تحمل من الأهمية ما تحمل. لها علاقة وطيدة بالشخصية المحورية في الرواية
فهي تجسد حبكة الرواية. البطل سعيد بطاليوس يؤثث اللوحة بكل عنفوانه، يطغى عليه الغموض فملامح وجهه ضبابية غير واضحة بالمرة. وكأنه تعمد طمسها وحذفها كما حذف الميم من بطاليوس تعبيرا عن الرفض والاحتجاج على الظلم والقهر وعدم تكافؤ الفرص بين شباب الوطن . في ص 8 يسأله المخرج:
لماذا حذفت الميم من اسمك؟
يرد سعيد :عندنا حذف الميم احتجاج.
البطل في حالة نزول من قمة الأدراج إلى السفح. مما سيشير إلى حالة اليأس والقنوط التي بلغت ذروتها في كيان البطل فأضحى بذلك بطلا تراجيديا يتخلى عن أهدافخ بكل سهولة، مع هيمنة اللون الرمادي الدال على البؤس، وانحصار اللون الأصفر ـ لون النور والأمل ـ في مساحة ضئيلة مما يؤكد على ظلامية الواقع المزري الذي يعيشه، وعلى دوامة التعاسة والشقاء والتشاؤم التي يتخبط فيها. يقول السارد في ص6 (يكبر سعيد ويكبر معه التمرد.. ليس له من اسمه نصيب يرى الشباب يغرقون في عرق البطالة والضياع… هذا المنظر أحرق محصول التفاؤل عنده)
كما عمد الكاتب إلى تفعيل الطرف الآخر من الغلاف – ظهْر الكتاب – فيحاول من خلاله أن يدوِّن عليه رؤية ما، من خلال مقطوعة مجتزأة من النص الداخلي من المقطع الأول في الصفحة 5 ( تخبرني جدتي كيف يصير الأطفال شيبا آخر الزمان. عما قريب سوف تجد شيبا بعقول أطفال.. أريد أن أرى ذلك بعيني هل سأعيش إلى آخر الزمان.. إذا لم تكبر، ستعيش آخر الزمان.) إن هذا الحوار، ولا ريب هو محاولة تعزيز ما على واجهة الغلاف في أغلب الأحوال لتأدية الدور الإشهاري، مما يُحدث التكامل بين طرفي الغلاف في أداء المهمة وإيصال الرسالة.
فالغلاف بلوحته ينتمي انتماءً حاسماً إلى فضاء الكاتب والرواية معا إلى الرؤية التي يتبناه، والمقصدية التي يهدف إليها.
5- عتبة المعمار الروائي:
يرتكز هذا النص الروائي على ثلاثة وعشرين مقطعا متفاوتا من حيث عدد الصفحات، أصغر مقطع مكون من صفحة واحدة: وهو مقطع (الفقيه)وأكبر مقطع هو مقطع( ثراء) مكون من ثلاث عشرة صفحة.
وضع الكاتب لكل مقطع عنوانا، وقد توزعت تلك العنواين بين المفرد مثل البداية، المخرج، الجدة، الفقيه، وبين المركب الوصفي أو الإضافي: الشبيه الآخر، ميعاد الدعم، ضيف ثقيل..ويلاحظ أن دلالة بعضها على المكان مثل: مدرسة النجاح، حلقية الثانوية في الحي الجامعي، في غرفة نبيه، في الحلقية،جنب الوادي. مما يشير إلى إدارك الكاتب إلى الدور الهام الذي يقوم به المكان في العمل الروائي ، فهو ليس مجرد ترفٍ يكثّر به الكاتب سواد الصفحات، بل هو ركن أساسي ورئيس من أركان العمل الروائي الحديث. ويلاحظ أن مختلف هذه المقاطع تحدد العلاقات النصية بين الواقع المزري من ناحية، وبين المسقبل المأمول الغامض في الآن نفسه.
كما يبدو النص مكونا من:
رأس: مرحلة الطفولة والمراهقة التي تكشف عن بطل متمرد على عادات وتقاليد الأجداد يقول ص 6: (الأجداد كائنات بلهاء، لا يصلح الاستماع إلى تخاريفها، إلا لعلاج الأرق، وجلب البركة.) وكذلك على تلميذ موهوب، ويخزن في رأسه أفكارا أكبر من حجمه ، ويتقن لعبة الحوار مع الكبار كما حدث له مع المخرج، ليقول شهادة في سعيد المراهق ص9 (هذا الفتى إما مجنون وإما سيناريست، ومخرج كبير)
جسد: ممتد من مقطع (الشبيه الآخر) إلى مقطع (إلى وكيل الملك) هنا تكتمل شخصية البطل معرفيا و نفسيا، يتدرج في مسالك الدراسة بنجاح باهر. متسلح بالجراة في انتقاد ما يراه معوجا في أفكار المربين، والأساتذة والمقررات التعليمية والنظام بدهاء وفطنة ونباهة. من أقواله ص 10: "…إن شبيهي فارق الحياة قبل قليل .. مات كمدا بعد أن علم بحالة بطاليوس الأرضي..
وقوله ص 13 : بأن الدولة قامت بتحديد النسل عبر تشجيع البطالة ” هو شخصية متميزة لا يرضى إلا بالتميز والفرادة: ص17 (تعمق بطاليوس في الدراسات المعمقة.. بحث عن التميز في بحث التخرج)، إلا أن خيبات الأمل تلازمه دائما، وأبدا لا تفارقه، ولا تريد منه فكاكا، ـــ الخيبة في جواب الأستاذ على بحثه المتميز ص6:(نحن في المغرب يا ولدي لسنا في بريطانيا.. لا تتفلسف بعيدا) ـــ الخيبة في إيجاد الدعم المالي للجمعية ص34 قول الرئيس: (لا أستطيع أن أدعمكم إلا بطبع الأوراق… الميزانية فارغة ) ـــ الخيبة في الارتباط قصد الزواج بعد أن هاجرت زهراء إلى مونريال ص 48: ( وهكذا يفقد آخر وأصلب أمل للاستقرار… لكنه أصبح أقسى، ولم يعد يفكر حتى مجرد تفكير في تصديق عواطف النساء)
ـــ خيبة الامل في الحصول على وظيفة، بعد أن طلب منه الوسيط دفع رشوة تقدر بثلاثين ألف درهم. ص52 (قام بطاليوس منتفضا.. لم ينبس بكلمة لكن ملامحه كانت تصرخ بما يجتاحه من هياج)
الذيل أو الخاتمة : خصص لها الكاتب المقطع الأخير المعنون بـ”النشرة”، التي وضعت القارئ بين أخذ ورد في كل ما سبق من أحداث ووقائع، وكأنها كانت عبارة عن أحلام وكوابيس مزعجة، لم يتخلص منها بطاليوس إلا بعد أن استفاق من رقاده بعد مكالمة زهراء المغتربة له، التي وعدته بالسفر والوظيفة، وحينئذ تخلى عن لقبه بطاليوس بكل طواعية دون إكراه وإجبار، حيث قال ص 88: أنا سعيد… بطليموس عاد إلى مقدونيا.
خاتـمة:
لعلّ هذه الإشارات القصيرة العابرة قد كشفت عن بعض ما يتميز به عبد الله لحسايني من موهبة فائقة، وذكاء في تشكيل عمله الروائي الأول هذا، الموسوم بـ(بطاليوس عاد إلى مقدونيا)، إنها تؤكد بالملموس على ما يمتلكه لحسايني من قدرات فائقة في فن الكتابة، ونسج الحروف في شتى صنوف الإبداع، والتي تبشر بميلاد روائي ستكون له كلمته مستقبلا بإذن الله تعالى. وآمل أن تكون هذه الإطلالة السريعة قد استطاعت أن تعطي لمحة دالة على ذلك. والله نسأل التوفيق والسداد. وقراءة ممتعة للجميع.

رواية "الجناح الهيمان بنبع ركادة الوسنان

محمد أحمد المسعودي: البناء الروائي وسماته الجمالية : نموذج “الجناح الهيمان بنبع ركادة الوسنان”. كتابات معاصرة، عدد 55 غشت 2005







عبد المالك المومني - كاتب

قصة قصيرة - قضبان وأجنحة - رامية نجيمة




قراءة في المجموعة القصصية "قضبانٌ وأجنحةٌ" للقاصة رامية نجيمة .

 بقلم ذ. الخضر التهامي الورياشي




قرأتُ المجموعةَ القصصية القصيرة جدّاً (قضبان وأجنحة) ، ولم أرضَ عنها كما كنتُ آمُلُ .. وأكادُ أشكُّ أنَّ صاحبةَ المجموعة نفسَها لم ترضَ عنها أيضاً !!
ففي المجموعة قصصٌ فريدةٌ ومميزة ، وفيها شيءٌ من الفن الجميل ، والغرائبية المحببة ، والوقائع والأحداث التي نسمع عنها ونشاهدها ، ويشوِّقُنا أن نقرأ عنها في أعمال إبداعية خاصةٍ ، تتصدى لها أقلامٌ محترفةٌ أو موهوبةٌ ، والتي نعيشها في الزمن الحاضر خاصة ؛ فقرْنُنا هذا حفلَ بأمورٍ متفرقةٍ ، وحبلَ بأشياءٍ متنوعةٍ ، تجعلُ المدادَ ، والدًَّمَ ، والدمعَ ، يسيلُونَ رُغْماً عن الجميع .
والأديبةُ الشابة (رامية نجيمة) تصدَّتْ لكثيرٍ من أحداث قرننا هذا ، وتناولت بقلمها المبدع قضايا مختلفة ، منها ما هو مَحلِّي وطني ، ومنها ما هو إقليمي دولي ، ومنها ما هو طبيعي ومنها ما هو وراء الطبيعي ؛ فهي تمتلك خيالاً خصباً ، وأسلوباً غنيّاً ، وطاقةً حيويَّةً للسرد والحكي ... ولكنها لم تنطلق بكل هذه المؤهلات كما كان متوقَّعاً منها ، وإنما (كظمت) في نفسها أجزاءً منها ، و(قمعت) قلَمَها أن ينطلق بحُرِّية تامةٍ في بَراري القصة ، وفيافي الحكايات . ولعلَّها تهيَّبت أن تكتب (على راحتها) ، وتُبْدع على سجيَّتِها ؛ لأنها سمعت لغطاً دائراً حول فنِّ الفصة القصيرة جداً ، واستحضرت أمامها القواعد والشروط التي يُنادي بها بعض الأساتذة النقاد ، والمُنظِّرون لهذا الجنس الأدبي الوليد ، فلم تُطلقْ العِنانَ لقلمها أن يخُطَّ كما تشاءُ مشيئةً خالصَةً ، بل كما يشاءُ الآخرون بدرجةٍ ما ... ووضعت فنَّها وإبداعَها وراء (قضبان) النقد في كثيرٍ من القصص ، ولم تفْرِدْ (أجنحةَ) السَّرْدِ والخيال كما تهْوى ... ففي قصصٍ كثيرةٍ من هذه المجموعة يشعرُ القارئ أن الكاتبةَ تُخْفي عنه مهارتَها الخاصةَ في الكتابةِ ، وتتقدَّمُ به خطوةً في الطريق والطريقة وتتراجعُ به خطوتينِ ، وتضطرُّهُ أن يصلَ إلى النهاية من أقرب وأقصر طريقٍ ، مع أنَّ فنَّ القصة يحتاجُ في مناسباتٍ كثيرةٍ أن يسوقَ القارئ إلى عالم الإثارة والتشويق ، ولا يضُرُّهُ أن يتعبَ ، أو يتأخر ، في القراءة قليلاً أو كثيراً ، ما دامَ أنه سيصلُ في النهاية إلى الضوء والهواء .
والمجالُ لا يتسعُ أن آتي بنماذج من المجموعة توضِّحُ هذا الأمرَ ... ولكن ، في نفس الوقت ، أرى من واجبي أنْ أُعْلِنَ أنَّ في المجموعة قصصاً بلغتْ فيها (رامية نجيمة) درجةً من الإبداعِ ممتازةً ، وتفرَّدتْ بها عن غيرها باقتدارٍ ، وجعلتني أعجبُ بها إعجاباً خالصاً ، وأضحكُ ضحكاً صافياً ، وأتأثرُ تأَثُّراً حقيقيّاً ، مما جعلني أقولَُ لوْ أنَّ الكاتبةَ استرسلتْ في قصصٍ أخرى أكثر ، وأطالتْ نوْعاً ما ، ولم تعْجَلْ ، ولم تجْفَلْ .. لذا أدْعوها أن تفردَ أجنحتَها في الأعمال القادمة بكل حرية ، وقوة ، وانطلاق ، ولا تخشى أي قُضْبانٍ من كلِّ نوعٍ ...

شعر - في خاطري ترقدين - عبد الله لحسايني


قراءة في ديوان "في خاطري ترقدين " للشاعر عبد الله لحسايني

بقلم الأستاذ – الزبير خياط
زايو 26 مارس 2011



  
حين نتحدث عن مشهد شعري عربي أو مغربي أو جهوي شرقي فإننا نطرح تساؤلات عديدة أهمها : هل تتشابه هذه المشاهد أم تتمايز ؟ هل هناك فعلا حساسية شعرية مهيمنة تستمد هيمنتها من قيمتها لا من عدد المنتمين إليها ؟ هل تخضع الحساسيات والخطابات الشعرية لصيرورة حتمية وصراع جدلي ينتهي بانبثاق حساسية من أخرى وفق مقولة نفي النفي ؟ هل يتشكل وعي الشاعر الفني داخل منظومة ؟ وهل له خلفيات فنية وفكرية تسنده وتؤطره لدرجة التصنيف ؟
في شعرنا الحديث منذ نهضته إلى خطابه الحداثي وما بعد الحداثي في المشرق والمغرب الأقصى والجهة الشرقية لا يمكن أن نتحدث عن قطيعة فنية بين الاتجاهات والخطابات السائدة . تتناسل خطابات ورؤى دون أن تحسم مع سابقاتها . لذلك تتعايش في هذا المشهد خطابات تقليدية تتمسك بالقصيدة العمودية وخطابات ذاتية تجد مرجعا لها في الرومانسية العربية وخطابات معاصرة بألوان شتى تجمعها القصيدة التفعيلية وتتعدد ولاءاتها للنزعة الخطابية أو الرمزية ..وخطابات ما بعد حداثية تنهض بها قصيدة النثر وأشكالها التجريبية . ورغم التحقيب الزمني التعاقبي لهذه الخطابات إلا أنها تتواجد كلها في الساحة الشعرية . الشعراء أنفسهم يتطورون عبر هذه الخطابات أو يتراجعون عنها أحيانا من خطاب حداثي أو ما بعد حداثي إلى خطاب تقليدي . المنابر نفسها تتشكل وتتغير موازين قوتها. فإذا كانت المنابر اللبنانية "كشعر" تملك قوة رمزية تأثيرية روجت من خلال لقصيدة النثر فإننا نرى الآن منابر ليجية تمتلك قوة مادية تعيد من لالها القصيدة التقليدية الرومانسية إلى ساحة الصراع الشعري .النقد والتنظير العربي منذ قرن تقريبا لم يؤسس إلا خطابين قويين مؤثرين الأول للاتجاهات الذاتية عبر كتابات الديوان ومجلة أبولو، والثاني لأدونيس خصوصا الذي شكل وعيا شعريا حداثيا وما بعد حداثي لا تزال الكتابات لحد الآن تقتات على مائدته..ونحن الآن على بعد نصف قرن من زمن الشعر والثابت والمتحول لم تنتج نظرية تتجاوز أدونيس . بل أنتجنا ما يتراجع عنها وهذا التراجع سجله أدونيس نفسه من خلال بعض قصائده .
"في خاطري ترقدين " ديوان يولد في بيت شعري في شرق المغرب متعدد الإخوة . يولد ليجد معه توجها تقليديا من خلال شعراء القصيدة العمودية ، وتوجها حداثيا من خلال القصيدة التفعيلية أو قصيدة النثر وبينهما توجهات ذاتية أو إيديولوجية أو محاولات لا ترقى لمستوى الشعر لكنها تتزاحم وتصرخ لأجل إثبات الوجود ، فأين نضع الديوان ؟
في هذه القراءة سنحاول مساءلته قصد تصنيفه من خلال تيماته ولغته الشعرية وإيقاعاته .
العنوان يعلن عن الذات /الوجدان ( خاطري ) والمرأة المخاطبة (ترقدين) . وهو عنوان يتميز بحرفيته وأحادية مدلوله الذي ينحصر في عشق الشاعر للمرأة. إنه الموضوع الأثير لدي التيار الوجداني في شعرنا الحديث . ويتأكد حضور تيمة المرأة والحب من خلال الاستهلال "أحسنوا للعاشق الولهان " ومن خلال عناوين القصائد : حسن يفور ، الحب البديل، سلوني عن محياها، صيد السهام ، وابتسمتِ، تمنع ، كفى هجرا ، في خاطري ترقدين .. وعلى غرار الرومانسيين العرب يرتبط الحب بالمعاناة والألم من خلال "قصة ألم" و"القلب مات "ويرتبط بالجمال والخيال من خلال قصيدة : "سحر الخيال".
إن شجرة النسب عند لحسايني تمتد إلى الشعر الغزلي القديم :
أنادي جميلا عساه ** يواسيني أو يؤازر
قضى العمر دون مناه ** فذاق أليم المصائر
وإني الدرب أمضي ** ولكنني لا أجاهر
بل إن المعاني القديمة تتسلل إلى القصائد فعيون الحبيبة سهام تصطاد قلب الشاعر :
رمتني بسهمين من قوسها ** فحاجبها زاخر بالنبال
وجمالها ظاهر على محياها منير كالثريا وقدها يميل كالغصن في دلاله :
السحن زاد للمحيا والجمال
متأصل مثل الثريا
مثل غصن مال ميلا في دلال
لكن الشاعر يتجاوز هذه الدلالات الوصفية القديمة نحو دلالات وجدانية تتعمد بالمعاناة وتتطهر بالمكابدة تماما كما فعل الشعراء الوجدانيون حديثانقرأ :
وأعشق هجرك لي ، وعذابي ، ومر انتظاري
وما قيل أو لم يُقل من كلام
سأحفظ عهدي ، وأبقى لوجدي
فذلك حظي، اشتياق وهجر
وأقدار تجري بعكس المرام.
إن خيط المعاناة والألم جراء الحب وقسوة الحبيبة وضعف الشاعر أمام أسلحة أنوثتها يضيع في قصيدتين هما وابتسمتِ حيث تُلعن الحبيبة وتطرد من قلب الشاعر و"كفى هجرا" المهداة لمدينة بركان وهي تبدوا نشازا بين قصائد هذه المجموعة.
تبدو ذاتية الديوان بكائية انكفائية ، تجد مرجعها في موضوعات الشعر الذاتي العربي الذي هيم في بدايات القرن العشرين ولا يزال مستمرا الى يومنا في كتابات مشرقية ومغربية من بينها الجهة الشرقية .
هذا الانتماء للتيار الذاتي يظهر كذلك في لغة الشاعر التي يطغى عليها المعجم الوجداني :
العاشق الولهاني – الحب – المشاعر – القلب – الهوى – الخواطر – الغرام الذكرى الشوق الخيال الحلم ...
ومعجم الغزل بالمرأة :
حسن المُحيّا ، الجمال ، الدلال ، مُقلتها ، قاتلة القلوب ، تلعثمت ، شمسي وقمري ، تناياها ، الفاتنات ، الصبايا
ومعجم الانكسار في الحب :
ثائه ، يذوب ، مثخَنا ، يعصف بي ، ألم ، أعاني ، الهجر ، الكسر ، وحيد ، أردَت فؤادي ، حُزني ، القلب مات ، تكويه ..
هذه الحقول المعجمية تتعالق لتنتج دلالة انكسار الشاعر أمام حب المرأة وأنوثتها وما يتبعها من تقدير لها وتسليم بقدرتها على خلق فيض المشاعر ، وتفجير القرائح وبعث الإحساس بالجمال . غير أن عبارات سقطت في الديوان تتعارض مع هذا الحس العاطفي الرفيع ، كقصيدة "وحلفتُ بالقسم اليمين " حيث تتحول الأنثى إلى كائن مرادف للسم والتفاهة ..
-"سموم الفاتنات "، "هن السراب" ...
وفي قصيدة : "وابتسمتِ" – وقاحتكِ ، أنتِ لاشيء حياتي . وهو حس يجدر بالشاعر أن يتفاداه انسجاما مع قيم المساواة الإنسانية .
اللغة الشعرية عند الشاعر لحسايني لاتتوغل في الرمزي والاحتمالي ولا تمارس عنفا على المتلقي . إنها لغة مهادنة رقيقة حالمة .تُؤخذ على حرفيتها العاطفية ، فالمرأة امرأة والقلب قلب والعشق عشق ٌ. إنها نفس الدلالات التي أنتجها الغزل العذري القديم .وأعاد الاتجاه الوجداني إنتاجها وصياغتها حديثا ولا تتحول هذه المفردات عن حرفيتها إلا حين تدخل في إطار التصوير البياني القائم على المشابهة . حيث يجمع الشاعر بين النار والجمر وعاطفة الحب .وبين مُحيّا الحبيبة المنير ، ونور الثريا وبين قدها الممشوق والغصن وبين عينيها والسهام . وبين الإصابة بالحب والقتل .
إنها مشابهات استعارية تترسم خطى الصورة الوجدانية التقليدية قبل أن تتحول بفعل الحداثة الشعرية إلى الصورة الرمز حسب تعبير أدونيس .
يتأكد الإنتماء للتيار الذاتي الوجداني في هذه المجموعة من خلال المستوى الإيقاعي العروضي ، فهذا الاتجاه حافظ على القصيدة العمودية واجتهد في النظم على البحور المجزوءة وتنويع الأوزان والقوافي في النص الواحد وهو ما نلاحظه على قصائد هذه المجموعة .
فقد نظم الشاعر ثمانية من قصائد الديوان الخمس عشرة على أوزان مجزوءة . وزاوج بين وزنين مختلفين في أربع قصائد ، ونوّع القافية في إحدى عشر . وتوزعت الأوزان بين الكامل والرمل ومجزوءة الوافر والمتقارب تاما ومجزوء الرجز . ووزن يمكن اعتباره من المجتث في قصيدة "تمنُّع".
لقد بقي الشاعر في إطار القصيدة العمودية كما طورها الاتجاه الوجداني الذاتي محتفظا بسيميترية البيت ، ورغم ما يلاحظ من محاولات لكسرها بكتابة أبيات مشطورة في قصيدة "سلوني عن مُحيّاها "و هي من مجزوء الوافر . أو تجاوز عدد التفعيلات المعروفة في البيت التقليدي مثل قصيدة "صيد السهام" وهي من مجزوء المتقارب وتامّه ، إذ نقرأ في البيت التالي تسع تفعيلات :
لأني / أرى أن / نها لا / تراني / واني /سواي / لديها / وغيري / تراني.
وفي قصيدة "القلب مات" نقرأ في سطر تفعيلة من الكامل :
فالقلب مات .
ثم تفعيلتين : وجناية ال / حب اللعين /
ثم ثلاث :
تلك اللتي /قد أغرقت / ني في السبات .
إن هذا الخروج المحتشم عن قواعد القصيدة العمودية لا يعني التوجه نحو التفعيلة . لأن البيت الشعري عند لحسايني لا يزال محكوما بالوقفة التامة والجملة القصيرة.
كما أن هذه الاستثناءات القليلة تؤكد القاعدة ولا تنفيها .
ونحن في إطار المستوى الإيقاعي لابد أن نشير إلى أن الشاعر أحيانا يمزج بين الأوزان كقصيدة القلب مات ، التي تبدأ بالرمل وتنتهي بالكامل ، رغم ما يشوبهما من زحافات مستكرهة . وأحيانا يجد نفسه في وزن لم يتوقع ، مثل قصيدة "كفى هجرا " .
فالشطر الأول من الطويل والقصيدة من الكامل ، وأحيانا يضطرب الوزن في قصيدة تبدو سليمة ، كالبيت الأول من قصيدة القلب مات . وقد يحتاج بيت إلى تدخل جراحي بسيط لا يجمع بين استقامة الوزن واستقامة النحو مثل قوله في قصيدة ، في اطري ترقدين ، وهي من المتقارب :
سليه عن الحب كي تدركين
فالشاعر كسر النحو ليرضي الوزن ، إذ الصواب كي تدركي لأن المضارع ينصب هنا بحذف النون ، وإذا حُذفت اختل الوزن وغابت القافية . لذلك كان عليه أن يضع بدل "كي" العاملة بالنصب "قد " غير العاملة فيقول : سليه عن الحب قد تدركين ** بأنك في خاطري ترقدين.
وهذه تفاصيل صغيرة بإمكان الشاعر تجاوزها في ما يلي من أعمال . شريطة أن يستأنس بأذنه الموسيقية أكثر من الاستئناس بقواعد العروض.
وبعد نهد نهئ الشاعر عبد الله لحسايني على صدور ديوانه الأول ، ونتمنى له التألق في مستقبل الأيام ، لأنه شاعر ذو إمكانات قابلة للصقل والتجويد . ونتمنى أن يقتحم برؤياه حداثة الكتابة .

شعر- ترانيم الجبل - عبد الله لحسايني



أناشيد الشموخ

قراءة في ديوان عبد الله لحسايني " ترانيم الجبل "

ذ- الزبير خياط
 

في مجموعة الشاعر ع الله لحسايني الثالثة "ترانيم الجبل" تبرز ثنائية لافتة هي الكتابة والشموخ . فالكتابة هي البوح الشعري الذي يصر الشاعر الشاب على إعلانه مدويا في مشهد شعري يعج بالاصوات الباحثة لها عن مكان فوق دوحة الشعر الفيحاء ، أما الشموخ فهو مرادف الجبل في عليائه وهيبته وخُلوته التي استمدها من رصيد في الذاكرة الشعرية الجمعية العربية إذ ظل الجبل مرادفا للثبات والمجد والصمود والشموخ وقد ترددت أسماء الجبال في الشعر العربي قديمه وحديثة فسمعنا قديما عن أَجَأ و سلمى وثَهْلان وحديثا عن قاسيون وجبل الشيخ والأطلس والريف . تتبدى هذه الثنائية في غرة الديوان أي إهدائه الذي نعتبره عتبة لقراءته يقول فيه " أهدي ترانيم جبل ياث يزناسن الأشم الى .. "
إننا مع الشاعر لحسايني نسمع عن جبال الزناسن الشماء من خلال ثنائية الكتابة والشموخ ثنائية متلازمة متعاضدة ذلك أن الجبل في عليائه يلهم بنيه مواويل الكرامه وكانهم يرضعونها من لَبانه بل ان الجيل الحالي حين تدهمه الخطوب وتتكالب عليه النوازل لا يجد ملاذا للشكوى والانين الا جبال الزناسن يبثها لواعجه يقول الشاعر في ذلك من قصيدة : "جبال الزناسن "
جبال الزناسن جئتك جيني ******وأصغي الى نبضات الانين
جبال الزناسن نور العيون ****** خطبتك للروح هل تقبليني ؟
وفي قصيدة " صخر الجبل " وهي ذات بناء قصصي درامي يؤمن الشاعر بقدر الجبل الشامخ فالصخرة لا تناسبها الا الأعالي وحينما تشيخ وتنزل للحضيض سرعان ما تتوق الى سموها وهي في اسفل الارض ليرفعها البركان مرة اخرى نحو عليائها يقول في نهاية القصيدة
ما أغرب الصخر ... كأنها البشر ..
تأبى ببطن الأرض أن تطأها القدم
فتبدأ الثوران والصعود للقمم .. كأنها الحمم
ان الجبل في هذه المجموعة ليس مكانا محايدا بل هو كذلك ذاكرة الانسان الامازيغي الحر الذي عشق استقلاله واحتمى بالجبل ضد الغزاة الذين قاومهم على مر التاريخ لذلك نجد القصيدة الثانية بعنوان "دهيا" الزعيمة الامازيغية التي قاومت القائد العربي حسان بن النعمان وماتت تحت سنابك خيله من أجل وطن لا تريد أن يجتاحه الغزاة . وفي القصيدة حساسية تاريخية ودينية تناقش الوجود العربي في تاريخ المغرب غير أن الشاعر لا يعطيها هذا البعد بقدر ما يخدم فكرة بطولة دهيا وشموخها ورفضها للسبي فيقول الشاعر على لسانها في القصيدة :
قالت بان البدو يبغون الثمار ؟؟ لتحرقيها ..
قالت ويبغون الحسان من الاناث ؟؟ لتقتليها ..
اه على مكر الزمان ..
عادت لتحرق نفسها العنقاء ظنا أنها
من بين أصلاب الرماد ستنبعث

ومن صلب الجبل ينبعث البطل الأمازيغي " أريذال " الذي يقاوم المحتل فتمنحه جبال الزناسن بركتها لتقول له :
اقذف الصخر فصخري من جنودك
وامنع الماء فنبعه في حدودك
أنت أصل الأرض .. والأرض جدودك .
غير أن احتفاء الشاعر بالشموخ الامازيغي لا يتخذ صبغة شوفينية عمياء ، تلغي الشعور العربي الذي يشترك مع الوجود الأمازيغي في الأرض والسماء والهواء إذ نعثر على قصيدة العراق الغريق وفيها حزن على العراق الذي قهره الطغيان والاستبداد منذ عصر هارون الرشيد الذي استبد باسم الدين يقول الشاعر :
لقد عشق الله هارون لكن
كم من محب قضى من عشيق
نفى وأفنى عباد الإله
فأبقى الإله بدون بريق
والشاعر في ختام القصيدة لا يحن الى عصر الخليفة المستبد بل يوطن العزم على طي تلك الصفحة بكل معاناتها التي جرت على شعب العراق التعاسة فكانت ماضيه وحاضره الدموي يقول :
سابكيك هارون كي لا تعود
وأطمس قبرك كي لا تفيق .
إن كتابة لحسايني في الديوان تحتفي بالشموخ وتغني له غناء التمجيد والزهو وهي كتابة رغم انها تتوسل بالرمز الكلي وهو الجبل إلا انها في عمومها كتابة تحريضية خطابية قصدية قلما تهتتم بالبيان والانزياح وهي كتابة موقّعة بالعروض الخليلي الذي تحيد أحيانا عن صرامته فنجد الشاعر قد نظم على بحور معروفة هي المتقارب والكامل والرمَل والوافر والخبب . وهي بحور تناوب بين توحيد القوافي وتنويعها وبين سيمترية الشطرين وحرية السطر الشعري . فالشاعر لحسايني قلما ينضبط للقواعد العروضية الصارمة بل انه يتحرر منها ربما مثل تحرر الجبل من ربقة الاستعباد .
في ديوان لحسايني غنائية تمجد الأصول بلغة تحريضية وإيقاع خليلي أترك للقارئ متعة اكتشافها بين دفتي هذا الديوان وكل إصدار وانتم بالف خير

الزبير خياط

14 دجنبر 2013

المواضيع