الجمعة، 28 نوفمبر 2014

قصة قصيرة - وعاد أبو جهل لعبد الله لحسايني

خصائص السرد الإبداعي القصير في "وعاد ابو جهل"
للكاتب عبدالله لحسايني

بقلم:ذ.نورالدين كرماط



"وعاد أبو جهل " أول عمل قصصي للقاص عبد الله لحسايني. وخامس عمل في مسيرته الأدبية. وله قيد الطبع مجموعة وسمها بــ: سيرة ابن نيشان.
أضمومته البكر هذه: (وعاد أبو جهل) صدرت عام 2013 عن مطبعة جسور بوجدة من الحجم المتوسط في خمس وستين صفحة. ضمنها أربع وعشرين قصة .
الناظر في نصوص هذه المجموعة يلاحظ أنها توزعت بين الأقصوصة، والقصة القصيرة، والقصة القصيرة جدا.
إلا أن العدد الأكبر كان من نصيب القصص القصيرة جدا باثنتي عشرة نصا وهي: المعطلون،احتجاج، هوية، الحي الجامعي، القلب والسياسة، لا يأت بخير، الحمامة، تهديد، سِفر التفاؤل، الهروب اليومي، و عش اللقالق.
إذاً، ما أهم مكوناتها النصية تخطيبا وتحبيكا ومقصدية؟ وما سماتها الفنية والجمالية والسردية؟ هذا ما سوف نرصده في هذه الكلمة المختصرة.
يفشل الكثير من الكتاب في كتابة القصة القصيرة جدا، و السبب أنهم لم يتمثلوا بعد بطريقة جيدة شروط، و أركان وخصائص و تقنيات... هذا الفن السردي الحديث. و لعلي أقول أن نصوص عبد الله لحسايني احترمت أساسيات القص القصير جدا. من المتعارف عليه عند بعض النقاد، و المهتمين بفن القصة القصيرة جدا، أن هذا الفن الأدبي الحديث يقوم على أربعة أركان أساسية.
1)الحجم القصير.
يلاحظ احترام القصص المذكورة آنفا لركن الحجم القصير. فلم تكن مسهِبة في الوصف تطويلا و لا استيرادا و لا حشوا، كما هو الأمر في الرواية و القصة. لقد كانت مقتضبة تجنب فيها الكاتب النعوت، و الصفات، و التمطيط و التفسيرات التي لا ضرورة إليها. حيث تراوحت بين أربعين كلمة كأصغر وحدة نصية كما في نص تهديد1 .و 141 كلمة كما في نص سفر التفاؤل2.
فاعتمد الكاتب بذلك على حجم محدود من الكلمات والجمل ذات الفواصل القصيرة، والجمل البسيطة من حيث البنية التركيبية ذات المحمول الواحد. يقول عبدالله لحسايني في نص تهديد ص 39:
جاءني رجل من أقصى المدينة يسعى. قال إن الملأ يأتمرون بك ليحاصروك، وقد حاصروك...فارجع عن عقلك إني لك من الناصحين. أتجرؤ أن تقول عكس ما قال الأولون فنظرت تظرة في النجوم. ورأيت أن أستنصحكم يا أصدقائي فبم تنصحون؟
2)التكثيف. هو المقياس الفاصل بين القصة القصيرة جدا و غيرها من الأجناس السردية الأخرى و خاصة الأقصوصة و القصة القصيرة. والمقصود بهذا المعيار هو اختزال الأحداث و تلخيصها في أفعال أساسية مركزة، بشرط عدم الإخلال بالرؤية أو الشخصيات. و أبرز مثال على ذلك قصة (الحمامة) ص 38يقول:
أحببتها كثيرا تلك الحمامة حين اقتربت مني، وكأنها تعرفني...إلا انها اختارتني أنا وحدي... لكنها سرعان ما طارت على عجل...أين تذهبين؟ طارت تتلقف فضلات الخبز التي ألقاها أحد المارة إلتهمتها بشغف... وبدأت ترقص وتدور بقربه، ثم التحقت بآخر وآخر...عادت إلي تلكم الحمامة.. نظرت إليها بحزن ثم انصرفتُ.
هذه القصيصة وغيرها، اعتمد فيها القاص على تجميع أحداثها وشخصياتها في رقعة طبوغرافية محددة. تسمح للقارئ النموذجي بملء فراغاتها و تسويد بياضها، فتحمل القصة تأويلات متعددة قد تختلف في بعض الأحيان مع الرؤية أو المقصدية التي يهدف إليها الكاتب.
3)المفارقة و الإدهاش. من أخطر أركان القصة القصيرة جدا. و أهمها على الإطلاق. فهي تقنية مهمة من تقنيات العمل القصصي، وعنصر لازم و ضروري في تجويد القصة القصيرة جدا و غيابه يعطي انطباعا سيئا عنها لدى المتلقي، خاصة عند القارئ النموذجية و الناقد المتمرس.
بذلك قام الكاتب تحويل التداولي الحياتي إلى معطى لغوي ذي حمولات متزاحمة. لأنه استطاع أن يزرع ذلك التشابك الجميل بين قصصه، و القارئ عن طريق الإدهاش و المفاجأة. كما نجد في (تهديد) ملخصها. ففي الوقت الذي كنا ننتظر سعادة السارد بعد عودة الحمامة إليه. يفاجئنا بقوله/ نظرت إليها بحزن، ثم انصرفت.
إلى جانب النهاية المفاجئة، نلمح نجاح عبدالله الحاسيني في تنويع نهايات قصصه:منها مثلا:
1)النهاية السردية كما في نص الهروب اليومي ص42: و بدأ يستعرض لائحة العائلة المقصودة من رصاصات السب... أم ..أخ..(طسيلة) إلى آخره.
)النهاية الاستفهامية: كقوله في تهديد 39: ورأيت أن أستنصحكم يا أصدقائي فبم تنصحون؟
أو في نص القلب والسياسة ص 35 : لا يمكنني أن أغير تفكيري، هل فهمت؟
3)النهاية الحوارية كما في نص احتجاج ص 25: وقال: أنت ضد الشعب أنت مع الدولة...
4)النهاية الخبرية كما في نص المعطلون ص21: وبعد قرون..عطل المعطلون المعطلين..
4القصصية:
تتوفر قصص (وعاد أبو جهل) على مقومات الحبكة السردية المبنية على الحدث، والشخوص، والفضاء، والمنظور السردي، والصيغة اللغوية والأسلوبية،إضافة إلى الفكرة والاستهلال السردي، و العقدة الدرامية، والصراع، و الحل، والنهاية. مثالنا في ذلك قصة: احتجاج ص 25
سمعتهم يصرخون" ماع، ماع" قلت لأحدهم: ماذا تريدون؟ قال: يطالبون بالماء في هذا الحر... قلت: لماذا لا يقولون ماء بدل ماع. قال: الناس كلها تقول كذلك. هل تخطئ الجميع و تعتبر نفسك أنت المحق الوحيد؟
فجأة، قدم إلي من وسط الجماعة، تيس بقرون حادة أحنى رأسه في وضعية النطح.. وقال: أنت ضد الشعب أنت مع الدولة...
مجموعة الوقائع الجزئية في هذه القصة متساوقة في نظام خاص وسائرة نحو الهدف المعين من طرف الكاتب. مستهلا ذلك بالترميز؛ فما تكراره لكلمة ماع مرتين ليرمز إلى التبعية العمياء، وغياب الروية و التفكير عند عدد لا يستهان به من الناس. فالنص يحمل رسائل مشفرة، تدعو القارئ النموذجي إلى فك رموزه
فكان السرد فنيا في نقله الوقائع بألفاظ تعبيرية، شيدت تلك الوقائع،وعللتها، فأضفت عليها بذلك حيوية وتشويقا. و كان البناء فنيا كذلك إذ اعتمد طرائق التشويق، كما كان متلاحم الأجزاء محققا ما يسمى بـ(الوحدة الفنية).
خلاصة:
و هكذا يطالعنا القاص عبدالله لحسايني، في هذه الأضمومة التي وسمها بـــ(وعاد أبوجهل) بجملة من النصوص القصيرة جدا التي حازت على التميز والانفراد بمقوماتها الفنية والجمالية، التي نلمس من خلالها قاصا واعيا لما ينسج، وبما يزخرف، فبين أصابعه قلم يجيد فن الكتابة التي تجافي الانحطاط والرتابة والتقليد... إن نصوصه جراح نازفة، مربكة للاهجين وراء الأوهام و الأحقاد... فلا تفتح أيها القارئ هذا الكتاب إلا متأنيا مترفقا. إنه يستنفرك ليذكرك بسخريته مرارة الدهاليز المتكالبة على الإنسان في كل مكان.




بوصلة الكتابة أو كتابة الواقع في مجموعة "وعاد أبو جهل " القصصية

لعبد الله لحسايني- بقلم ذ الزبير خياط



الزبير خياط 
زايو 13 يوليوز 2014

القصة فن القبض على جمر الواقع ، لاقتصادها وزهدا في البذخ للغوي ، استطاعت أن تكون مجهر الكاتب الواقعي الذي يدقق في التفاصيل ويستنبت منها متخيله القصصي . صحيح أن القصة استطاعت في كثير من نماذجها أن تجرب أشكالا أخرى في الكتابة تقوم على تكسير النمط السردي وعدم الاحتفاء بالحكاية لفائدة لغة رمزية تصل أحيانا إلى التهويمات السوريالية . غير أنها سرعان ما كانت تتوب الى رشدها الواقعي وتلتصق به لأنها صوت طبقاته الاجتماعية ، الرازحة تحت نير التفقير والتجهيل.
وإذا كانت القصةالمغربية القصيرة في بداية استوائها إلى فرة الثمانينات ، قد جسدت الصراع الطبقي وطموح البورجوازية في قيادة الشأن الاجتماعي والسياسي. فإنها في بداية التسعينات دخلت تجربة تجريبية جديدة ركزت على الأنا المتحررة من اللغة المباشرة والحكاية المسترسلة ، بزمنها الخطي . وأوغلت في مسالك تجريبية قادت في الشهور الأخيرة قاصامغربيا رائدا هو احمد بوزفور ، الى الانتفاضة والتنبيه الى ضرورة لجم هذهالمغامرات الفنية غير المحسوبة ظن حتى لا تسقط القصة في اللعب الشكلي والتهويم الفارغ . لاسيما أن هذا الفن شأنه شأن الشعر ، اصبح مجالا لضعيفي المواهب الذين يتسترون خلف الحداثة والتجريب والرمز ، وكسر الطابوهات ، ليخفوا عجزهم الفني وعقمهم الابداعي.
هذه الاشارة هي مدخلنا إلى مجموعة "وعاد أبو جهل " للقاص عبد الله لحسايني في علاقتها بالمرجع الواقعي الذي يحدد المتخيل، ويخلق نمط التعبير، ويوجه بوصلة الكتابة نحوشمال الواقع الذي شكل منطلقها ولحنها الأثير الذي عزفت عليه في الإبداعات المتميزةعالميا وعربيا ووطنيا .
ان التعبير عن الواقع في هذه المجموعة  لا يتخذ طابعا حرفيا مباشرا ، بل إنه ينحو منحى رمزيا يقوم على التقابل بين الرمزي والواقعي.فالقصة الاولى التي هي غرة المجموعة ودليل عنوانها ، تمتح من لحظة تراثية تاريخية دينية ، تؤرخ للصراع بين الخير والشر. فأبوجهل وإبليس بما لهما من حمولات الشر والكيد والحسد والإفساد في لحظة تاريخية ودينية سابقة ، يظهران في الواقع الحالي من أجل ترسيخ إفساده .
وكذا تقوم القصةعلى خلق التقابل بين التراث والحاضر ، من خلال دمج ردبول بالبعير ، والقناةالفضائية بهُبل ، والبرنامج المباشر بنصرة قريش، وحمالة الحطب. وتنتهي القصة بالمشهد الفنطازي متمثلا في شرب ابي جهل للدماء البشرية، والعودة إلى القبر قرير العين.
إن التوظيف الرمزي التراثي تجاوره توظيفات رمزية أخرى تستعير متخيلها من عالم الحيوانات ، وكأنها تذكر بقصص كليلة ودمنة ، في الأدب القديم . ومن ذلك قصة النمس والأرنب . والضبع والثيران ، وهما تحيلان على قضايا مصيرية تعرفها أمتنا تتلخص في التناحر المجاني الذي يحمي الأعداء ويقوي استغلالهم لها ، والاستسلام لنظرية المؤامرة التي تخلقها الأمة بغباء قيادييها وضعف بصيرتهم.
وتستعير المجموعة أقنعتها كذلك من مرجعية التصوف والأولياء والكرامات في نصوص يا عبد القادر 1 و2  ، وحوار مع الولي. هي لا تكرس التفكيرالغيبي بقدر ما تدعو إلى مراجعة الذات وتطهيرها من الغرور وربط الصلة بالناس والاهتمام بالبيئة وتقدير الرموز الفكرية .
إن المجموعة لا تعبر دائم بالأقنعة الرمزية ، بل تشير في نصوص كثيرة إلى الواقع بمفرداته ودلالاته الآنية . ويتجلى ذلك في نصوص قصصية من قبيل المعطلون ، وهوية ، والحي الجامعي ..وهي تحيل إلى واقع الاستلاب وفقدان بوصلة النضالة وفتح جبهات الصراع المجانية عند فئة الشباب والطلبة .
يبقى أن نشير إلى أن المجموعة القصصية تحتفي كثيرا بمدينة القاص ، أبركان ،. فهي تتردد في كثير مننصوصها . وهذا الاحتفاء بالمدينة نابع من غيرة عليها ، جراء ما طالها من تهميش ونسيان وجحود من قبل الوطن والأبناء.
قصص عبد الله لحسايني موجهة بلغة صافية تدل على مقصدياتها دون حذلقات تعبيرية ، وتنوع في طرق عرضها ومستويات تعبيرها ، وتبني حبكتها خطيا لأنها تملك تصورها لوظيفة الكتابةالقصصية ، وهي القبض على جمر هذا الواقع القاسي المثخن بضربات الفساد والقبح والزيف ، ليس من أجل التباكي عليه وندبه ، وإنما من اجل تصحيحه وإعادة دفة سفينته إلى تيار النجاة.
باختصار بوصلة الكتابة تتوجه نحو شمالها بوعي وقصد ، وأترك للقارئ فسحته للاستمتاع بهذا العالم السردي الجميل.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أضف تعليقا

المواضيع