السبت، 29 نوفمبر 2014

قصة قصيرة جدا- بقايا إنسان

قراءة في مجموعة بقايا إنسان للقاصة إحسان الرشيدي

بقلم الدكتور جميل حمداوي


تعد إحسان الرشيدي من القاصات اللواتي خضن غمار هذا الفن بأضمومتها الأولى التي تحمل عنوان بقايا إنسان وتحمل هذه المجموعة رؤية وجودية قوامها الثورة و التمرد و السأم الوجودي،و التنديد بوحشية الإنسان، و تأكيد عبثية الواقع الكائن الذي تحجر قيميا و عاطفيا و إنسانيا.بمعنى أن الإنسان فقد بقايا كينونته الوجودية، و آدميته البشرية ،و إنسانيته المميزة
و عليه، ترصد الكاتبة ، في مجموعتها القصصية القصيرة جدا ،مجموعة من التيمات و القضايا التي لا تخرج عن الذات و الموضوع على حد سواء و من ثم ،فهي تثور على نفسها شعوريا و لا شعوريا إلى درجة القلق و الملل و الكراهية و السأم الوجودي، كما يظهر ذلك جليا في قصتها (ثمرة الشر) و (مدينة الملاهي) مثلا.
و من جهة أخرى ،ترصد المبدعة عوالم الأنثى الواقعية و الخيالية و المحتلمة، مبينة مشاكلها الذاتية و الواقعية في إطار ما يسمى بالكتابة النسائية، مدافعة عن الأنثى ،عن شموخها ، و حبها و كبريائها، و صمودها و إبائها، و أنوثها ،وجمالها مع التنديد بالرجل في زيفه، و خداعه، و نفاقه ، و عبثه، و ضياعه الوجودي و مرواغته الللاأخلاقية ، مسفهة بشره و طمعه و غرائزه الشبقية ، كما يبدوا ذلك في مجموعة من قصيصاتها مثل (رب صدفة) ، (ووافته المنية)،(الستيني المتصابي)،و(ثفقحت)،و(فضيحة العصر)،و(صفعة خذلان)،و(عرة الرجال)،و(بقايا إنسان)،و(جزاء)، و (مهزلة)، و(إحباط)،و(بدون ذكر أسماء)،و(إنفصام)،و(غذر الأيام)،و(شريط الماضي)،و(حالة إدمان)،و(إعدام ضمير)،(حقيقة)،و(ويبقى الأمل)...
كما تشير قصص الكاتبة إلى الصراع الإجتماعي و التفاوت الطبقي، حيث تثور قصيصاتها المأساوية  الحزينة على الفقر،و البؤس،والبطالة، و تفكك الأسرة،و الهجرة الطائشة،كما يبدوا ذلك جليا في قصة (ثمن السخرية)،(أمواج القدر)،و(دمعة يتيم)،و(الركض خلف الأوهام)،(مأساة إيمان)،و(صراع مع الذاكرة)...
علاوة على ذلك،فقد تناولت الكاتبة مواضيع عاطفية و رومانسية تراجيدية ،تنتهي بالفراق و الصراع و البين و الهجران و تمزق الذات، كما يبين ذلك واضحا في قصة(عاشق مجروح)، و(لقاء بعد...)،(عانس)،و(وفاء)،و(إغتيال العزة)،و(مأساة)،(الحب لا يكفي)،و(أمازيغية أنا)،و(وعكة غباء)،و(روعة الحب)،و(حصاد)،و(حريق)،و(كل إناء ينضح بما...)،(اللعنة)،و (أبت أن تكون له حطبا)،و(مثوى العسل)،و(بنت الليل)...
و في الحقيقة، تندرج هذه القصيصات ضمن الكتابة النسائية،ما دامت تصور جدلية الذكورة و الأنوثة،حيث تفرغ الكاتبة جام غضبها على الرجل الميكيافلي، مدافعة على الأنثى الجميلة و الحسناء مصورة بشاعة الإنسان ووحشيته الحيوانية مستخدمة في ذلك التقريع،و اللوم، و السخرية ؛ و الهجاء ،و التعبير الكاريكتوري، و الكروتيسك...
أما فيما يخص الكتابة،تتميز إحسان الرشيدي باحترام مقومات القصة القصيرة جدا تحبيكا و تخطيبا و تقصيدا،حيث تراعي الحجم القصير جدا،و تستعمل قصصا فعلية التركيب، و تبتعد عن الوصف التفصيلي فتلتجئ إلى التركيز و الإقتضاب و الإختصار و الإيجاز و التكثيف.و من ثم، تتأرجح لغة الكتابة بين الفصحى و الدارجة و الأمازيغية تهجينا و أسلبة و تنويعا ،كما تتنوع علاماتها الترقيمية تخييلا و تعبيرا و ترميزا، و تكثر من نقط الحذف، و تنوع مقدماتها و خواتمها،مع تقطيع الكلمات المبأرة بصريا و أيقونيا و جماليا.
و خلاصة القول، يتبين لنا،مما سبق ذكره، بأن إحسان الرشيدي ما تزال في بدايتها الفنية بهذه الباكورة القصصية القصيرة جدا، حيث لم تتخط بعد مشاكلها الذاتية لسبر أعماق الواقع بشكل عميق، و ٱكثر نضجا و موضوعيا، مع النبش الميتاسردي في ذاكرة القصة القصيرة جدا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أضف تعليقا

المواضيع